يُقال إنّ إدراك المشكلة وحصرها يُساعد في حلّها ويختصر طريقاً طويلاً يجب سلوكه للتخلّص منها. هذه القاعدة لا يُمكن تطبيقها في لبنان، وبالأخصّ في المشكلات السياسيّة الّتي تُعيق القيام بإصلاحاتٍ جذريّةٍ تنهض بالبلد نحو الأفضل. فعلى صعيد الحكومات اللبنانيّة، في كلّ مرّةٍ أُريدَ فيها تشكيل حكومةٍ جديدةٍ ظهرت عقدٌ عدّة أعاقت تشكيلها، تختلف هذه العقد باختلاف الزّمان وتبدّل الأوضاع السياسيّة والإقتصادية، إلّا أنّ عقدة توزيع الحقائب وحصص الأحزاب السياسيّة منها وشكل الحكومة باتت عقدةً ملازمةً لكلّ حكومةٍ يُراد تشكيلها ولا يجوز أن تتشكّل أيُّ حكومةٍ من دون أن يحصل النّزاع ذاته ما بين الأطراف السياسيّة. فعلى سبيل المثال، في ٦ نيسان عام ٢٠١٣ تمّ تكليف الرّئيس تمام سلام لتشكيل الحكومة الّتي استغرق تشكيلها ما يُقارب العشرة أشهر! كانت وراء هذا التأخير أسبابٌ عدّة، منها الإشغال الدوليّ بالحرب في سوريا والخلاف بين الدّول الإقليميّة الكبرى، بالإضافة إلى عقدة الثلاثيّة الذهبيّة أي إصرار حزب الله على أن يتضمّن البيان الوزاري ثلاثيّة الجيش والشّعب والمقاومة بينما يرفض الفريق الوزاري الآخر إدراج هذا البند في البيان الوزاري. ولا ننسى العقدة الّتي أصبح حصولها حتميٌّ في تشكيل أيّ حكومة، عقدة حجم الحكومة، وطبيعة وزرائها، فتحالف ٨ آذار أراد حكومةً تعكس التّمثيل النيابي للأحزاب والتيّارات السياسيّة، أمّا تحالف ١٤ آذار فأراد حكومةً تضمّ حياديّين وغير مقسّمة سياسيًّا. لذا بعد أن أصبحت العقد متشابهةً ومعروفةً، وبعد أن اتضحت أسبابها وسُبل معالجتها لمَ علينا مواجهتها في كلّ عمليّة لتأليفِ حكومةٍ لبنانيّة؟ لنعود إلى الوضع الرّاهن، إلى الحكومة الّتي يترّأسها سعد الحريري، والّتي نتأمّل أن تُبصر النّور في القريب العاجل. يتبيّن لنا أنّنا شارفنا على إنهاء رحلة تأليف حكومةِ سعد الحريري، "فالأمور جيّدة، من دون المبالغة في الإيجابيّة" كما ذكر الأمين العام لحزب الله في خطابه أوّل من أمس. بات من المؤكّد أنّه مهما ظهرت الأمور إيجابيّةً إلّا أنّ لا مجال لأن يخلو الأمر من العقد، والّتي قد يكون بعضها مشابهاً لما أعاق تأليف حكوماتٍ سابقة. فقد ظهر خلافٌ على عدد الوزراء، فرئيس الجمهوريّة يريدُ حكومةً تضمّ ٢٠ وزيراً، بينما يريد رئيس الحكومة المكلّف حكومةً تضمّ ١٨ وزيراً. بالإضافة إلى عقدة المداورة، فترفض بعض الجهات المداورة في كلّ الحقائب السياديّة واستثناء حقيبة الماليّة لإرضاء الثنائي، وسمعنا أيضاً بخلافات على حصّة هذا الحزب وذاك من الحكومة، لكن يكفي القول بأنّ ما ذُكر من العقد والخلافات قد لا يُفاجئ الشّعب اللبنانيّ، فعلى مرّ السّنوات واجهت عمليات تأليف الحكومات السّابقة عقداً مشابهة ولا زلنا حتّى يومنا هذا نواجهها على الرغم من الخبرة الّتي اكتسبتها الأطراف السياسيّة في حلّ هذه العقد وقُدرتها على عدم جعل هذه الأخيرة تعطّل عملية تأليف الحكومة إلّا أنّها أبت الخروج من دوّامة النّزاعات على الحقائب وتقديم إقتراحاتٍ لا تُناسب سوى مصالحها الشّخصيّة! وكأنّ الأزمات المحيطة بلبنان، من عجزٍ إقتصاديٍّ وسياسيٍّ، ومن فساد مستشرٍ في خلايا الدّولة، حتّى إنفجار مرفأ بيروت في الرّابع من آب، كلّ هذا لم يجعل أحداً من حكّامِنا يحرّك ساكناً، بل ظهروا في خطاباتٍ قدّموا فيها وعوداً بالقيام بإصلاحاتٍ شاملة وبالمحاولة قدر المستطاع لمحاربة الفساد، إلّا أنّ خطاباتهم هذه ليست سوى طريقةً لإخماد نيران الحقد المشتعلة تجاههم داخل نفوس اللبنانيين، ولو استطاعوا إخمادها لمدّةٍ وجيزة، فإنّهم بهذا الوقت سيحاولون لملمة بقايا هذا البلد ليضيفوها إلى خزينة الثّروة الّتي جنوها من وجع الشّعب وجوعه وفقره. إنّ مطالب اللبنانيّين واحدة، ووجعهم واحد، كلّ ما يريدوه هوَ تنازل أولئك الحكّام المتمسّكين بمقاعدهم الّتي هي بنفسها صارت تخجل من حملهم، كلّ ما يريده ذلك الشّعب العظيم هو أن يعيش ما تبقّى من عمره في بلدٍ يحفظ حقوقه ويصون كرامته، فما عاشه خلال السنين الماضية من ظلمٍ واضطهاد يكفيه، والآن يرغب بحياةٍ أفضل، لذا إنّ الوضع المأزوم في بلدنا لا يحتمل خلافاتٍ على المصالح بعد! ختاماً، وبالعودة إلى الملفّ الحكوميّ، أصبحنا على يقينٍ أنّ المفتاح لحلّ هذه المشاكل الّتي تؤخّر التّأليف بات موجوداً في جعبة حكّامنا لكنّهم ينتظرون الوقت المناسب لاستخدامه، لذا ما علينا سوى أن نصبر وننتظر ليبقى السّؤال واحداً، هل من حكومةٍ قادرة على إنقاذ لبنان من هاويةِ الفساد والأزمات المتراكمة، ستتشكّل قريباً؟