السبت 04 أيار 2024 الموافق 25 شوال 1445
آخر الأخبار

وكان ... لقاء.. بقلم الاستاذة هيام فرج

ياصور
دخل الى الغرفة فرآها جالسة وراء مكتبها تبحلق في شاشة الكمبيوترأمامها من وراء نظارتها الطبية , منكبة تنجز بعض الاعمال , غير عابئة بالضجيج من حولها , اقترب منها, فانعكس ظله على طاولتها , رفعت رأسها , وتفاجأت برؤيته , رفعت نظارتها بيدها وسألته بصوت مرتجف: - نعم , كيف أستطيع أن أخدمك ؟ ابتسم لها ابتسامة رقيقة , مد يده يصافحها: - كيف حالكِ ؟ لقد مر زمن طويل , أكثر من عشرين سنة , وما زلت جميلة كما كنتِ ؟
مدت يدها تلاقي يده , سألت نفسها : - ما الذي أتى به الي بعد كل هذه السنين ؟ أن يطل فجأة من جوف النسيان , ومن خلف أسوار الماضي ,يقلب في دفتر ذاكرتي ,يبحث في اوراقي المطوية , ويعيد مشاهد الألم . كان زمن جميل عندما كانت القلوب خضراء . لكن الجميع كان أقوى منها .والآن أن يعود هكذا ؟ فجأة ؟ دون انذار؟
أرجعت نظارتها فوق أنفها مرتبكة , تطلعت اليه تتصنع قوة زائفة , وهي الممتلئة به رغم الغياب ,فاذا به لايزال ينظر اليها مبتسما " . – هل أستطيع أن أعرف ماذا تريد ؟ فكما ترى هذا مكان للعمل .قالت بصوت متحجرج ,مرتجف.
أخبرها أنه يريد استخراج بعض الاوراق الرسمية. استأذنته وطلبت من زميلتها الاهتمام بما يطلب .
خرجت من الغرفة على عجل تنشد بعض الوحدة علها تلتقط أنفاسها وتلملم شتات نفسها . نظرت الى وجهها في المرآة تسألها ان تغيرت ... هل خطت السنون آثارا في وجهها ؟ هل ما زالت جميلة حقا"؟ لا , لا , أنا لم أتغير وما زلت جميلة , فأنا لم أتزوج , ولم أنجب , ولم يتعب جسدي في بناء عائلة , مرتاحة ماديا" , وحياتي هادئة , أكدت لنفسها . لكن , لماذا خانتني ثقتي بنفسي هكذا ؟ ...لا بد أنها المفاجأة .
استجمعت قواها ,أخذت نفسا" عميقا" , ورسمت ابتسامة على وجهها , تريد أن تراه , أن تواجهه ,أن تتأمله ,هل فكر بي مرة"؟ أو أنا وحدي كنت أشعرأنه كلما طال الفراق أ ردت أن أتوحد به؟ هل حلم مثلي ولو لمرة أننا لملمنا أشلاء حكايتنا الممزقة ؟ هل ...؟ وهل...؟. رجعت بلهفة المشتاق تريد أن تعرف عن أخباره وأحواله .كانت تسمع عنه بين فترة وأخرى , تزوج أجنبية في الغربة وانفصل عنها بعد بضع سنوات , يقولون أنه أصبح من رجال الأعمال , جاء الى البلد في زيارة سريعة ..... أخبار متقطعة لا هي مؤكدة ولا هي شائعات .... أخبار ضبابية ....مجرد أخبار...
عادت الى الغرفة , تفتش عنه , تنظر في زواياها , فلم تره . زملاؤها يتركون مكاتبهم لاستراحة الغداء أومأت الى زميلتها تسأل عنه , أخبرتها أنه رحل .
تهاوت على الكرسي في ذهول ممزوج بالأسى .وبدت لها الغرفة الفارغة وكأنها كهف مظلم كئيب . أيعقل أن يحصل ذلك مرتين؟ أن تخسره مرتين ؟ أيعقل أن يكون اللقاء بعد هذا الفراق وهذه السنين قصيرا" , فاترا" , مبتورا"؟ وما لهذه الوحدة تجثم فوق صدرها وكأنها تشبه الموت ؟

كان يجلس في سيارته يسترجع ذلك الاحساس الذي رافقه لعشرين عام كلما كان يقطع الجسر المعلق -الذي يصله بالحي الذي يقطن فيه في غربته- بعد العمل, وقرص الشمس الاحمر يغرق معلنا استسلامه للغسق , كما يستسلم قلبه لذكرى جميلة تلاحق مخيلته , فتجده مرتجف القلب , شفتاه ترتعشان كأنها تصلي أو تسبح وإسم يتردد في قلبه وعقله كأنشودة ربيع أو كدعاء : سارة ...سارة...سارة ...
ما زالت في ذلك الكرسي حيث تهاوت , رأسها بين يديها . تدحرج الدمع من مقلتيها يشبه ذلك الدمع المرالذي كانت تذرفه كل ليلة منذ عشرين سنة, تسقي به وسادتها آخر الليل . شعرت بيدٍ حانية فوق كتفها , رفعت رأسها لتواجه ماضيها وأحلامها .... فاذا بوجه الغد الجميل ...يبتسم لها.
تم نسخ الرابط