'التحالف السوري الإيراني'.. ومعادلة 'رابح/رابح'! بقلم د.مهدي عقيل
تاريخ النشر : 25-04-2023 12
لم تتردد الدولة السورية قبل أربعين عاماً ونيف، في الترحيب المبكر بنجاح الثورة الإيرانية الخمينية. ثمة نظرة ثاقبة لدى الرئيس السوري الراحل حافظ الأسد بجدوى التحالف مع الجمهورية الإسلامية الوليدة. دوافع هذا التحالف وفوائده يستعرضها نائب الرئيس السوري الراحل عبد الحليم خدّام في كتابه "التحالف السوري الإيراني والمنطقة"، الصادر عن دار الشروق 2010.

في مطلع ثمانينيات القرن الماضي، كانت الخلافات السورية العراقية في أسوأ حالاتها، كما كانت الخلافات عميقة بين القيادتين السورية والمصرية بسبب توقيع الأخيرة معاهدة الصلح مع إسرائيل. هذا فضلاً عن توتر الأوضاع في خاصرة سوريا الرخوة (لبنان) مع “الجبهة اللبنانية” من جهة، ومع منظمة التحرير الفلسطينية من جهة ثانية، ومع إسرائيل من جهة ثالثة.


تبدت مشهدية قاتمة تُحاصر سوريا، ففي جنوبها عدو إسرائيلي متربص ومحتل لجزء من أراضيها (الجولان)، وفي شرقها نظام (العراق) لا قواسم مشتركة سوى اسم الحزب الحاكم في كلا البلدين (البعث)، وما برح البلدان يخوضان حرباً أمنية مخابراتية راح ضحيتها العديد من الطرفين، ووصلت الأمور بصدام حسين حد تدبير محاولة لاغتيال وزير الخارجية السوري آنذاك، عبد الحليم خدام، في 26 تشرين الأول/أكتوبر 1977، بينما كان في زيارة للإمارات، وراح ضحيتها نظيره الإماراتي سيف بن غباش في مطار أبو ظبي.. وكانت تلك واحدة من محاولات عديدة لإستهداف رموز في الإتجاهين.

في خضم هذه الأحداث، وجدت الدولة السورية ضالتها بالثورة الإسلامية في إيران، التي حملت لواء القضية الفلسطينية من اللحظات الأولى لنجاح الثورة، ورفعت شعارات معادية للإمبريالية التي لم تترك سوريا وشأنها يوماً. وعليه، بدأت ترتسم ملامح تحالف سوري إيراني، ترك بصمته في مجمل سياسات الإقليم بالتضامن والتكافل بين طرفيه، لا سيما بعد أن شنّ العراق حربه على إيران غداة إنتصار ثورتها مباشرة.

لامت دول عربية عديدة موقف سوريا المتصالح مع إيران والمعادي للعراق، لكن ذلك لم يغير من موقف سوريا أو يخفف من عزيمتها، إنما كان لها مبرراتها.

صحيح أن سوريا كانت على خصومة أو عداء مع النظام العراقي، لكن لم يكن ذلك وحده الذي دفع سوريا للوقوف إلى جانب إيران ضد العراق، إنما قراءة الرئيس الأسد لشخصية نظيره العراقي صدام حسين وجموحه للسلطة والهيمنة على المنطقة، والخطر الذي يمكن أن ينتج عنه، سواء تجاه سوريا أو مختلف الدول العربية، وهذا كان أحد الأسباب الرئيسية التي دفعت الأسد إلى خيار التحالف مع إيران.

وما زاد القيادة السورية قناعة بخطورة النظام العراقي، وعلى أنها ستكون الهدف الثاني بعد إيران، تبلّغها من السيد خالد الفاهوم، رئيس المجلس الوطني الفلسطيني، بأنه سمع ذلك شخصياً في اجتماع له مع السيد نعيم حداد، عضو القيادة القطرية ورئيس مجلس الشعب في العراق، في موسكو، قبيل اندلاع الحرب بين العراق وإيران، وذلك خلال النقاش بينهما حول تلك الحرب، ورداً على انتقادات الفاهوم لتورط العراق في هذه الحرب، قال حداد: “خلال أسبوعين سنكون في طهران، وبعدها سنكون عندكم في دمشق”!

وفي المقابل، كانت إيران منشغلة في لملمة أوضاعها الداخلية وإعادة بناء مؤسساتها، وسط رفض عربي عارم لثورتها، باستثناء دول “جبهة الصمود والتصدي” (سوريا، ليبيا، الجزائر واليمن الديمقراطي أي الجنوبي). وما زاد الطين بلة، حربها مع العراق التي اشتعلت قبل مضي أقل من عام ونصف على نجاح الثورة. وبالتالي كانت أحوج ما تكون لدولة عربية بحجم سوريا وأهميتها الإستراتيجية لتقف إلى جانبها.

فكما نجت سوريا في إعادة توازنها ودورها في الإقليم من خلال تحالفها مع إيران، كذلك نجحت الأخيرة في توظيف علاقاتها مع سوريا عن طريق تحقيق مجموعة من الأهداف، منها: أن سوريا ساهمت في عدم تحول الحرب بين إيران والعراق إلى حرب إيرانية عراقية، كما تمكنت إيران من بناء قاعدة لها في لبنان عبر تأسيس “حزب الله” الذي خدم السياستين السورية والإيرانية في استنزاف إسرائيل وفي إخراجها من لبنان عام 2000، كما شكل حزب الله تحت المظلة السورية الإيرانية قوة تخدم الأهداف الاستراتيجية الإيرانية في المنطقة وساعدها على الانتشار في الساحة الفلسطينية عن طريق تشكيل أو دعم فصائل مقاومة هناك.

وكانت القيادة الإيرانية تُقدّر أنها إذا انتصرت على العراق سوف تقترب من بناء مشروعها الاستراتيجي في المنطقة، والذي يمتد من أفغانستان شرقاً إلى البحر الأبيض المتوسط غرباً.

لم تقف سوريا إلى جانب إيران سياسياً وحسب، إنما جعلت مرافئها ومطاراتها محطات “ترانزيت” لنقل الأسلحة إلى طهران. فكانت العقود توقع باسم سوريا.. وتتولى إيران دفع ثمن شحنات الأسلحة التي تورد إلى مرفأ اللاذقية، ومنه بالطائرات إلى طهران. ومن بين الدول التي تعاقدت على بيع الأسلحة لإيران، بلغاريا وتشيكوسلوفاكيا بصورة خاصة، بعدما سمح الاتحاد السوفياتي لهاتين الدولتين اللتين كانتا تدوران في كنفه بذلك.

وبرغم ذلك أخذ النظام الإيراني على سوريا بأنها لم تزوده بأسلحة سوفياتية متطورة على غرار ما فعلت ليبيا، وهي الأسلحة التي كان طلبها الرئيس الإيراني علي أكبر هاشمي رفسنجاني شخصياً من الرئيس الأسد أثناء زيارته إلى دمشق عام 1985، فتحجج الأخير بأن الاتحاد السوفياتي لا يسمح له بذلك. لكن حقيقة الأمر أن الأسد لم يكن بوارد أن يسجل على بلده أنه زوّد إيران بأسلحة سورية لضرب الشعب العراقي الشقيق، عدا عن مسائل تتعلق بالوحدة الوطنية السورية التي يمكن أن تهتز في ما لو حصل ذلك.


لم يكن طريق تحالف سوريا مع إيران مفروشاً بالورود، وعدا عن الهجمة العربية عليها، تعرضت سوريا إلى أضرار كبرى نتيجة توقف الدول الخليجية عن تقديم المساعدات إليها. بدورها، حاولت إيران التعويض عبر تقديم مساعدة لسوريا بمليون برميل نفط سنوياً بالإضافة إلى مجموعة اتفاقات اقتصادية.

الخسارة الاقتصادية لن تحتل حيزاً كبيراً في عقل الأسد، فقد كانت أفكاره وتطلعاته ذات بعد استراتيجي، وكانت كل حساباته تصب بخانة أن إيران مضطرة لأن تكون حليفة لسوريا، وهي معادية لإسرائيل، وعلاقاتها متوترة مع الدول العربية بسبب الحرب مع العراق من جهة أو بسبب الخوف منها من جهة ثانية، وفي المسألتين إيران هي الحليف، سواء في مواجهة إسرائيل أو في الاعتماد على الطائفة الشيعية التي أصبحت بمعظمها موالية لإيران، وموالية لسوريا بطبيعة الحال، خصوصاً أن لسوريا علاقات متينة مع هذه الطائفة سابقة للثورة الإيرانية، وذلك عن طريق السيد موسى الصدر ومن بعده مع الرئيس نبيه بري، اللذين كانا محل ثقة كبيرة لدى الرئيس الأسد.

ومنذ ذلك الحين، حصرت سوريا سياساتها الخارجية بمحددين أساسيين كان لهما دور كبير في تحديد مسار السياسة السورية على الصعيدين الدولي والإقليمي: الأول توقيع معاهدة الصداقة والتعاون مع الاتحاد السوفياتي، والثاني إقامة تحالف مع الجمهورية الإسلامية.

ومن يُراجع اليوم الإستراتيجية التي يتبعها الرئيس السوري بشار الأسد، يجد أن هاتين الركيزتين الروسية والإيرانية، برغم تغير الظروف، ما زالتا محددين أساسيين للسياسة السورية، إقليميا ودولياً، وشكلتا أبرز عوامل منع سقوط الدولة السورية، غداة “الربيع العربي” وما أحدث من تداعيات في العديد من البلدان العربية، وأبرزها سوريا.

   

اخر الاخبار