السبت 04 أيار 2024 الموافق 25 شوال 1445
آخر الأخبار

الجبهة اليمنية تُقحم البحر الأحمر بحرب غزة .. بقلم د. مهدي عقيل

ياصور
كثيرون استخفوا بالجبهة اليمنية، ولم يعيروا اهتماماً للبيانات التي كان يتلوها المتحدّث الرسمي باسم القوات المسلحة اليمنية العميد يحيى سريع، خصوصاً بعد أن تصدّت المدمرتان الأميركيتان "كارني" و"هودنر" الراسيتان في البحر الأحمر لمعظم الصواريخ البالستية والطائرات المسيرة التي أطلقها الحوثيون نحو إسرائيل أكثر من مرّة. لكن بعد التاسع عشر من نوفمبر الجاري، وسيطرة القوات البحرية اليمنية على سفينة إسرائيلية، تغيرت الحسابات وأمست اليمن جزءًا رئيسيًّا من الحرب الدائرة في قطاع غزة.
 
فاجأ اليمن الجمهور العربي والإسلامي، بداية في حشده لمظاهرات جماهيرية كبيرة في صنعاء نصرة للشعب الفلسطيني، إذ لم نشهد مثيلاً لها في مختلف الأقطار العربية والإسلامية. وقبله في أيلول/سبتمبر الماضي بعرضه العسكري في صنعاء، وكان على قدر كبير من التنظيم، إضافة إلى الأسلحة المتطورة التي جرى عرضها. مما يدخلك بتساؤل؛ هل هذا البلد هو نفسه الذي شُنّت عليه حربٌ ضروسٌ وما زال بعضها قائماً منذ العام 2015؟ فيما كانت المفاجأة الكبرى بإعلانه الدخول في عملية طوفان الأقصى، بدءاً بإطلاق الصواريخ البالستية والطائرات المسيرة إلى إيلات، وصولاً إلى استهداف السفن الإسرائيلية في البحر الأحمر. وكأن هذا البلد مصر على أن يترجم عند كل مفصل أو تحوّل تاريخي قول النبي محمد (ص) باليمن أو باليمنيين "الإيمان يمان والحكمة يمانية".
 
ليس حدثًا عاديًّا ما حصل يوم الأحد الفائت في البحر الأحمر، بأن تقوم قوة بحرية يمنية بإنزال على السفينة الإسرائيلية "غالاكسي ليدر" المخصصة لنقل المركبات، والتابعة لشركة "راي شيبنغ" التي تتخذ من تل أبيب مركزاً لها، ويملكها الملياردير الإسرائيلي رامي إبراهام أنغر المقرب من الموساد ومن رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو، أثناء مرورها في البحر الأحمر قبالة الشواطئ اليمينة، بواسطة مروحية عسكرية هبطت على متن السفينة التي أُحيطت بالزواق اليمنية وأُقتيدت إلى مرسى الصليف قرب ميناء الحديدة على الساحل اليمني.
 
اليمن بات في قلب المعركة، وربما من أخطر الجبهات في مواجهة العدو، بحيث يمكن لهذه الجبهة أن تفرض حصاراً بحرياً على إسرائيل، عن طريق منع عبور السفن الإسرائيلية وغير الإسرائيلية المتجهة إلى مرفأ إيلات، وبذلك ينضم هذا المرفأ إلى المرافئ الإسرائيلية شبه المعطلة على البحر المتوسط نتيجة تساقط صواريخ القسّام بصورة يومية على المدن الفلسطينية الساحلية هناك، منها مرفأ حيفا الشهير ومصب النفط الخام في عسقلان المتوقف بصورة كاملة. 
 
والمشكلة التي ستلاحق إسرائيل بعد هذه الحادثة، هي في شركات التأمين التي سوف تمتنع عن إبرام عقود تأمين مع السفن الإسرائيلية، خصوصاً بعد أن اتضح لهم بأن اليمن لا يمزح في هذا الأمر، بحيث أنه لم يمضِ 24 ساعة على تهديد قائد "أنصار الله" عبد الملك الحوثي لناحية استهداف السفن الإسرائيلية في البحر الأحمر حتى نفّذ تهديده. فيبدو أن إسرائيل في استمرار عدوانها البربري على غزة وفتح أكثر من جبهة في وجهها، بات ينطبق عليها قول ويليام شكسبير "المصائب لا تأتي فُرادى كالجواسيس، بل سرايا كالجيش".
 
وبطبيعة الحال، وعلى جاري عادة الكيان، بدأ قادته، وفي مقدمهم نتنياهو، بالتنديد بما حصل، وعلى أنه مخالف للقانون الدولي ويمسّ بأمن الممرات البحرية، وكأنَّ هذا الكيان احترم يوماً القوانين الدولية، لا سيما في حربه القائمة على غزة التي لم يترك فيها مادة من القانون الدولي الإنساني إلا وانتهكها بصورة صارخة وفاقعة إلى أبعد الحدود.
 
وبلا أدنى شك سوف تستغل إسرائيل حادثة اختطاف سفينتها وما سيليها، في المحافل الدولية وتعمل على تدويلها، وجمع أكبر قدر ممكن من القوى الدولية إلى جانبها بعد أن فقدت تأييد الكثير منهم نتيجة فظاعة ما ارتكبت في غزة على مدار 45 يوماً وشلال دم الأطفال والنساء والعُجّز مستمر. فهي بطبيعة الحال، ماهرة ولديها براءة اختراع في استغلال واستجداء التعاطف الدولي.
 
أخيراً، ثمة أسئلة هنا، كيف ستتصرف إسرائيل عملياً مع اليمنيين؟ وهل ستعمل على تحرير سفينتها أو تمنع استيلاء القوات اليمنية على سفن إسرائيلية أخرى من خلال مواكبة سفنها بقطع بحرية عسكرية؟ وماذا لو حصلت المواجهة بين الطرفين؟ أليس من شأن ذلك أن يؤدي إلى إغلاق باب المندب؟ كلّها أسئلة برسم ما ستسفر عنه الأيام المقبلة، ولعلّ حادثة السفينة، والتخوف من اضطرابات في باب المندب، والخشية من اشتعال الجبهة الشمالية بعد أن سعّر من وتيرتها "حزب الله" بتكثيف العمليات والاستهدافات الدقيقة لمراكز وتجمّعات العدو وتكبيده خسائر بشرية محققة، يشكلون عامل ضغط على إسرائيل وأميركا لإيقاف حمام الدم في غزة.
تم نسخ الرابط