الخميس 02 أيار 2024 الموافق 23 شوال 1445
آخر الأخبار

إيران تتجنب الحـرب الواسعة.. لماذا؟ بقلم د. مهدي عقيل

ياصور
لم تقف إيران مكتوفة الأيدي إزاء ما يجري في غزة، لكن البعض ظنّ بأن إيران وحلفاءها لا بد من أن ينخرطوا بحرب واسعة تنفيذاً لشعار "وحدة الساحات"، وتلبية لدعوة القائد العسكري لـ"كتائب القسام" محمد الضيف صبحية يوم "طوفان الأقصى".
 
لا شك أن إيران تفاجأت بعملية الطوفان وعَلِمَت بها من وسائل الإعلام كغيرها من دول العالم. وبالتالي لم تكن مُستعدة لهكذا تطور استراتيجي تسببت به إحدى فصائل المقاومة المدعومة من فيلق القدس في الجمهورية الإسلامية. وهذا ما أحدث إرباكاً لدى قادة إيران ومحور المقاومة، لكن خلال أقل من 24 ساعة رسم المحور، لا سيما "حزب الله"، أطر التعامل مع الحدث الجلل، تتماشى مع ما يتطلّبه الميدان على وقع ما يجري في غزة، إذ اشتعلت الجبهة الشمالية ضمن قواعد مدروسة في اليوم التالي للطوفان، ومن ثم تحرّكت جبهات أخرى تابعة للمحور في العراق وسوريا واليمن، هذا فضلاً عن الضفة الغربية التي لم تهدأ ولم يتركها العدو وشأنها بل صبّ جام غضبه على أبنائها، بحيث سُجل حتى اليوم أكثر من 320 شهيداً ومئات الجرحى وأسر أكثر من 2500.
 
والسؤال البديهي هنا، لماذا لم تُفتح كل جبهات المقاومة وإيران ضمناً نصرة لغزة؟ وهل التذرع بعنصر المفاجأة كافٍ؟
 
كما سبق وأسلفنا أن إيران لم تكن على علم بعملية الطوفان، وبالتالي، غير مهيئة ولا يمكنها خوض حرب إقليمية بهذه العجلة وفقاً لمسار رسمته حركة "حماس"، أو بالأحرى جناحها العسكري فقط، حتى الجناح السياسي فيها لم يكن على علم بالعملية، وإيران التي بنت ترسانتها وقدراتها العسكرية تحت نار الحروب والحصار وزنار العقوبات منذ أربعة قرون ونيف، ليست بوارد الانجرار إلى حرب إقليمية تحتاج إلى قدر كبير من التحضير والتخطيط.
 
حقيقة الأمر، يحيى السنوار ومحمد الضيف وضعا قادة المحور تحت الأمر الواقع، واختفيا وتفرّغا لتفعيل نظام الحرب المفتوحة مع إسرائيل، وفي لحظة الحقيقة غابت شعارات التهديد والوعيد بتدمير إسرائيل بعدما نصب الغرب خيمة حماية لقاعدتهم المتقدمة في الشرق الأوسط، وكشف عن انحيازه الصارخ للكيان ووضع مصلحته فوق كل اعتبار مهما بلغت آلة القتل الإسرائيلية في اقتراف جرائم حرب ضدّ الإنسانية، من قتل وتهجير وتدمير ممنهج في غزة، وأبحرت البوارج والفرقاطات العسكرية الأميركية والغربية إلى سواحل البحر المتوسط.
 
وعليه، لم يُخطئ محور المقاومة في حسابات الميدان، وتعاطى معه بقدر كبير من المسؤولية، وعرف جيداً الخطوط الحمر التي يُحرّم عليه تجاوزها، وفي والوقت عينه كان حريصاً على توازن الردع مع العدو، وعلى أن لا يظهر بصورة الخائف أو المردوع من عواقب توسع رقعة الحرب. لذلك كان دائماً قادة المحور يحذرون ويؤكدون على جهوزيتهم إذا ما ارتكبت إسرائيل أية حماقة وأشعلت حربًا إقليمية في المنطقة. ودائما كانت "إذا" مرفقة بكل تصريحاتهم، على اعتبار بأن ليس لديهم أيّ نية بتوسيع رقعة الحرب إلا "إذا" أخطأ الطرف المقابل.
 
ولا أفشي سرًّا إذا قلت إن محور المقاومة منذ حرب تموز 2006 على الأقل، وهو يُحضّر إلى المعركة الكبرى، والتي لم يأتِ أوانها بعد، فلطالما وظيفة إسرائيل الاستراتيجية قائمة تجاه الغرب، ولطالما هذا الأخير هو المُتحكم بمصير العالم بشكل أو بآخر، فلا إمكانية للإطاحة بالكيان العبري، إلا إذا حصل أمر ما من داخل الكيان وأدّى إلى تفتيته. 

 وإذا لم تُفرض الحرب على المحور، كما تحاول إسرائيل اليوم في توسيع دائرة اعتداءاتها، لا سيما استهداف مدينة بنت جبيل التي لها رمزية خاصة لدى "حزب الله"، وقتل القائد في فيلق القدس الشهيد رضي الموسوي، ليس بوارد خوض حرب تُدمر فيها مدنه وقدراته العسكرية والاستراتيجية، وإن تسنّى له تدمير تل أبيب ومدن إسرائيلية أخرى، والقواعد العسكرية الأميركية والغربية في المنطقة. بمعنى آخر، أي حرب يخوضها المحور مستقبلاً لا بدّ من أن لا يكون هدفها أقل من زوال إسرائيل، ساعتئذٍ لا ضير من تحمل تبعات تلك الحرب مهما كانت كبيرة وثقيلة مقابل عودة فلسطين لأهلها. 
 
ربما قادة المحور تسرّعوا في إطلاق شعار "وحدة الساحات"، الذي عمل عليه قائد فيلق القدس السابق، اللواء قاسم سليماني، وألزموا أنفسهم به، فلا يكفي بعض التناغم والترابط بين غزة والضفة والأقصى لنعلن هكذا شعار استراتيجي لم تكتمل عناصره بعد. ما نشهده اليوم لم يصل إلى مرتبة "وحدة الساحات"، وربما وضعه، على أهميته، في خانة "تكامل الساحات"، مع العلم أن "وحدة ساحات" مطلب وهدف مهم جداً، لكن خصوصية كل جبهة قد تحول دون ذلك. وربما في المقبل من السنوات وما يشهده العالم من متغيرات، إن تصبح "وحدة الساحات" استراتيجية قائمة، نكون حينها قد اقتربنا من الدقيقة 90، ومن تحقق الحلم التاريخي للأمتين العربية والإسلامية القاضي بتحرير فلسطين.
تم نسخ الرابط