
في وقتٍ ارتفعت فيه أعداد النازحين المسجّلين في مراكز الإيواء من 160 ألفاً إلى أكثر من 172 ألفاً في غضون يومين، فإنّ جلّ ما قدّمته الهيئة العليا للإغاثة من فرشٍ وبطانيات على مراكز النزوح في مختلف المحافظات لم يتعدّ 19 ألف قطعة فقط لا غير، بالإضافة إلى 2500 صندوق مياه للشرب وزّعت في بيروت. اقتصر وجود «الدولة» عند هذا الحد على صعيد تقديم المساعدات، فيما بدا واضحاً، في المقابل، أن عملية التنسيق بين الغرفة المركزية في السرايا ومراكز الإيواء في المناطق، وإدارة هذه الأخيرة، ومعرفة احتياجاتها، قد انتظمت. لكنّها، لا يُمكن أن تُقرّش في ظلّ غياب الموارد. وعلى الرغم من مرور 12 يوماً على بدء موجة النزوح الكبرى، لم يسجّل للمنظمات الدولية حضور أهم من الحضور الرسمي بكثير. فالمنظمات، وإنّ زادت من وتيرة ما تقدّمه من مساعدات، إلا أنّ تدخّلها يبقى دون المستوى بأشواط.وفيما أطلقت الحكومة اللبنانية قبل ثلاثة أيامٍ «نداءً إنسانياً»، طالبة دعمها بـ 425 مليون دولار، لإغاثة النازحين لفترة ثلاثة أشهرٍ، تجاوبت إيطاليا فخصّصت مبلغ 17 مليون يورو لدعم المتضررين من العدوان الإسرائيلي على لبنان، وأعلن الاتحاد الأوروبي تقديم 30 مليون يورو من المساعدات الإنسانية، أي ما مجمله 47 مليوناً.
وبعيداً عن أوضاع المدارس المستخدمة كمراكز إيواء، حيث الأضواء مسلّطة، تناسى الجميع وجود تجمعاتٍ لنازحين خارج المدارس، كما هي الحال في القرى الجبيلية ذات الغالبية الشيعية التي لجأ إليها النازحون، واستقروا في جوامعها وحسينياتها، ولا سيّما أن لا مدارس رسمية في تلك القرى، فيما لجأ آخرون إلى منازل أقارب أو استأجروا مساكن. وهؤلاء وإن كانوا يستحقون المساعدة، إلا أنّ الإشكالية الحقيقية تكمن في عدم الالتفات إلى القاطنين في «بيوت الله» في ثماني قرى، هي: علمات، لاسا، فِرحت، حصون، بشتليدا، أفقا، عين الغويبة ومشان.
172 ألف نازحٍ في المدارس قدّمت لهم الدولة 19 ألف فرشة وبطانية
فمن بين هذه القرى الثماني، هناك مطبخ واحد جُهّز للمسجد والحسينية في بلدة علمات، فيما لا تتوافر الطاقة الشمسية في المساجد والحسينيات سوى في بلدتين أو ثلاث، إضافة إلى إشكاليات مرتبطة بتنظيف الملابس. وحتى الاحتياجات الأساسية، كالفرش والبطانيات، ليست مؤمّنة بعد، ولا سيّما مع بدء تدنّي الحرارة في القرى الجبيلية، ما يجعل تحدّي تأمين التدفئة يدقّ الأبواب، وخصوصاً أنّ مصروف العائلة الواحدة المقيمة في تلك المنطقة شتاءً على مازوت التدفئة، يصل إلى 800 دولار بالحد الأدنى.
ووسط الغياب التام للهيئة العليا للإغاثة، وللمنظمات الدولية، يحاول الناشطون والفاعلون في القرى التصدّي لملء الفراغ، عبر مبادراتٍ فردية مستغلين علاقاتهم الخاصة. ورغم أنّ الوضع لا يزال سيئاً، انطلاقاً من أنّ حجم الطلب أكبر من القدرة على تغطيته، إلا أنّ عدداً من هؤلاء الناشطين يلفتون إلى «التعاون والتضامن الواضح من أهالي البلديات نفسها، والبلدات المجاورة ذات الأكثرية المسيحية، حيث يحضر بقوة حزبا الكتائب والقوات. مثلاً، ينقل الدفاع المدني صهاريج مياه الاستخدام في بلدة قرطبا إلى مراكز النزوح في علمات. وتقدّم جمعية حليم الحواط مواد غذائية من حبوبٍ وغيرها. كذلك، برز تعاون من رئيس إقليم الكتائب في جبيل».
التكافل الاجتماعي مستمرّ... «بيتي بيتك»
انطلقت مبادرة «بيتي بيتك» مع بداية الحرب قبل عام، مع بدء حركةِ نزوحٍ داخلية في قرى الجنوب، لتأمين مساكن للعائلات التي تريد أن تنزح من قرى الحافة الأمامية. تقول الناشطة حوراء بدر الدين لـ«الأخبار» إن عمل الجمعية «خفّ لفترة عندما استقر عدد النازحين على 100 نازحٍ. لكن مع وقوع حادثة مجدل شمس، أعدنا تفعيل الفريق الذي اتّخذ من الحمرا (الشارع الرئيسي) مركزاً له. وانضم إليه 100 متطوع موزعون في جميع المناطق. و«يستقبل المركز كل أنواع المساعدات الإنسانية من المتبرعين، ويُحاول الفريق بعلاقاته التواصل مع جهات وأفراد يعتبرهم قادرين على تأمين بعض الأمور». في المقابل، «يعمل فريق من المتطوعين على فرز الموارد، من ثياب وأدوية الخ...، ويتولى فريق آخر زيارة المدارس والبيوت للتأكد من الحاجة ومداها ونوعها، وإجراء مسح، فيما يتولى فريق آخر توصيل المساعدات إلى النازحين تبعاً للحاجة».
تضع المبادرة في أولوياتها تأمين الأدوية والطعام والبطانيات، والثياب السميكة للنازحين في مناطق الجبل. وتلفت بدر الدين إلى أنّ «هناك حاجات لا تؤخذ بالحسبان كالفوط الصحية، ومواد التنظيف وكذلك الملابس الداخلية للرجال والنساء، وهي أنواع ملابس لا يتم التبرع بها».
المبادرون في «بيتي بيتك» عملوا سابقاً في مجال الإغاثة، عند حدوث انفجار مرفأ بيروت، وخلال أزمة «كورونا»، وقبلهما في أعقاب حرائق المشرف، وتجزم بدر الدين أنّ «التقصير فاضح، ففي مثل هذا الوقت كانت مراكزنا تكون قد امتلأت بالمساعدات». لذلك، «نتوجه إلى المغتربين القادرين على التبرّع بأن يفعلوا، ولا يقفوا قدر المستطاع عند تفاصيل سياسية أو غيرها».
الفكرة الأساسية من المبادرة كانت محاولة تأمين منازل من دون بدلات إيجار، والتنسيق بين من يعرض المنزل ومن هو بحاجة من ضمن لائحة العائلات التي تواصلت مع المبادرة. وكان التجاوب الأكبر، وفق بدر الدين، في مناطق الشمال، حيث «قدّم أهالي عكار والكورة وطرابلس بيوتاً مفروشة وغير مفروشة للإيجار بأسعارٍ مقبولة، وساعدوا النازحين وفق إمكاناتهم التي هي في الأصل متواضعة».