وزير المالية: أولوية الحكومة لصغار المودعين

كشف وزير المالية اللبناني، ياسين جابر، في حديث لـ"الأنباء"، أن الحكومة اللبنانية تستعد في المرحلة المقبلة للدخول في مفاوضات مع حاملي سندات اليوروبوندز بهدف إعادة جدولة الدين العام، في خطوة تأتي ضمن خطة أوسع لمعالجة الأزمة المالية والاقتصادية التي تعصف بالبلاد منذ سنوات.
وأشار جابر إلى أن لبنان يمر بأزمة مركبة ومعقّدة، تراكمت على مدى سنوات من سوء الإدارة والاضطرابات السياسية، وفاقمتها أحداث جسيمة مثل الانهيار المالي الحاد منذ 2019، وانفجار مرفأ بيروت في 2020، مرورًا بجائحة كورونا، والفراغ الرئاسي، وتشكيل حكومات تصريف أعمال، وصولاً إلى تصاعد التوترات العسكرية. وأكد أن توقف الدولة عن سداد مستحقات اليوروبوندز لم يكن خيارًا سهلاً، بل نتيجة طبيعية لهذا المسار المتعثر.
وفي ما يتعلق بالمودعين، أوضح جابر أن صغار المودعين – ممن تقل ودائعهم عن 100 ألف دولار – يشكّلون 84% من إجمالي المودعين في لبنان، وتبلغ قيمة ودائعهم نحو 20 مليار دولار. وأكد أن الحكومة بصدد وضع خطة متكاملة لمعالجة قضية الودائع، مشددًا على أن البدء بصغار المودعين هو مسار طبيعي وإنساني ضمن أولويات الخطة.
أكد جابر أن الحكومة الحالية، التي تشكّلت بعد انتخاب رئيس للجمهورية، تحمل رؤية إصلاحية واضحة وتسعى إلى إعادة الانتظام المالي والإداري. وكشف عن توجه لتعيين طاقم جديد من نواب حاكم مصرف لبنان، إلى جانب لجنة رقابة جديدة على المصارف، بهدف إعادة الانتظام إلى القطاع المالي.
وأوضح أن هناك مشاريع قوانين ستُعرض قريبًا على البرلمان، منها تعديل قانون السرية المصرفية – الذي سبق وتم تعديله في 2022 – عبر تعديل فقرة إضافية تتيح للجنة الرقابة الاطلاع على الحسابات، ما يعزز الشفافية والمساءلة في القطاع المصرفي.
كما تحدث عن مساعٍ لإقرار قانون جديد لتسوية أوضاع البنوك، يعرف بـ"Bank Resolution Law"، وهو قانون يوحّد ويُحدث التشريعات المالية القائمة لتكون أداة فعالة في معالجة أوضاع القطاع المصرفي والمودعين.
قال الوزير إن لبنان تمكّن خلال عامي 2023 و2024 من تحقيق توازن نسبي بين الإنفاق والإيرادات، وأن الحكومة تسعى الآن إلى زيادة المداخيل من خلال إصلاحات في الجمارك والضرائب، بالتوازي مع مكافحة الفساد والفوضى في المؤسسات العامة.
وشدد على أن تحسين ميزان المدفوعات والاستقرار السياسي سيقودان إلى استقرار العملة، لافتًا إلى أن تحويلات اللبنانيين في الخارج لا تزال تمثل المصدر الأساسي للعملة الصعبة ودعم الاحتياطي النقدي.
أكد جابر أن القطاع السياحي سيكون أحد أعمدة معالجة الخلل في ميزان المدفوعات، مشيرًا إلى أن عودة السائحين، لا سيما من دول الخليج، تشكل عاملًا حاسمًا في دعم الاقتصاد. كما لفت إلى أهمية التركيز على القطاعين الصناعي والزراعي في ظل التغيرات الحاصلة في التجارة العالمية و"انتهاء زمن العولمة" كما وصفه، موضحًا أن الاعتماد على الذات بات ضرورة استراتيجية لكل الدول.
في ملف إعادة الإعمار، أشار جابر إلى أن الحكومة بصدد تأسيس صندوق إعادة إعمار يبدأ برأسمال قدره مليار دولار، على أن يغطّي أضرارًا قدرتها تقارير البنك الدولي بنحو 6.9 مليارات دولار للأضرار المباشرة. ولفت إلى أن لبنان يتفاوض حاليًا مع البنك الدولي على قروض متعددة، بينها قرض بقيمة 250 مليون دولار لصالح صندوق إعادة إعمار البنى التحتية في المناطق المتضررة.
وفي ما خصّ المساعدات الخليجية، اعتبر جابر أن دول الخليج لطالما وقفت إلى جانب لبنان، لكنها اليوم تطالب بوضوح بإثباتات عملية على بدء تنفيذ الإصلاحات، مشددًا على أن تحسين الأداء الحكومي هو السبيل الوحيد لاستعادة ثقة المجتمع الدولي والداعمين العرب.
وختم جابر حديثه بالتأكيد على أن "لبنان يسير في مسار الإصلاح الحقيقي مع هذه الحكومة"، داعيًا إلى تكاتف الجهود السياسية والإدارية لتحقيق الأهداف المالية والاقتصادية المرجوة.